إشکاليات قياس الصورة الذهنيّة في بحوث الإعلام صورة الإسلام والمسلمين "نَموذَجًا"

نوع المستند : المقالة الأصلية

المؤلف

أستاذ الإذاعة والتليفزيون - والمدير الأسبق لمرکز بحوث ودراسات الرأي العام بکلية الإعلام- جامعة القاهرة

الموضوعات الرئيسية


     تُعد الصورة الذهنیّة أحد أبرز المجالات البحثیة فی مجال بحوث الإعلام نظرًا للدور البارز الذی تضطلع به وسائل الإعلام فی بناء الصُوَر الذهنیّة لدى الجماهیر عن الواقع المحیط بهم إلى الحد الذی وصفه عالم السیاسة "والتر لیبمان" بأنه الدور الفرید للإعلام بوصفه الرافد الرئیس عن تشکیل الصُوَر بأذهاننا عن الشخصیات، والمؤسسات، والدول، والشعوب، والأدیان، والثقافات الأخرى(1).ویُشیر التعریف العلمی الرصین للصورة الذهنیّة بوصفها تلک التَّصوُّرات الکائنة فی ذهن الفرد بشأن الواقع المادی المحیط به ؛ وتستند تلک التَّصوُّرات بالضرورة إلى الخبرة المباشرة والاحتکاک الحیاتی الیومی مع الأشخاص، والمؤسسات، والقضایا والأحداث التی ینطوِّی علیها ذلک الواقع المادی المعیش.وتُعد الصورة الذهنیّة بمثابة مجموع التَّصوُّرات التی یُشکِّلها الفرد ذهنیًا بشأن موضوعٍ ما فی الواقع المعیش أی أن الصورة الذهنیّة تتسم بالتراکمیّة عبر مدى زمنی ممتد.وتُعد هذه الصورة التراکمیّة بمثابة المعیار الذی یستند إلیه الفرد فی تقییمه للموضوع کما یُحدد قراراته بشأن التعاطی معه إیجابًا أو سلبًا قبولًا أو رفضًا.

 

 

 

     وتختلف الصورة الذهنیّة عن "الاتجاه" فی ضوء کون الأخیر یُمثِّل میلًا نحو الموضوع إما بالسلب أو الإیجاب؛ ویعنی ذلک أن الصورة تسبق الاتجاه، کما أن الأخیر بوصفه بُعدًا وجدانیًا إنما یندرج ضمن طیات الصورة الذهنیّة بوصفه مُکوِّنا من مکوِّناتها التی تشتمل أیضًا على البُعدین المعرفی والسلوکی عن الواقع المعیش.

     ویتوقف بناء الصورة الذهنیّة على قدرات الفرد الذهنیّة فی فهم الواقع المادی المعیش وفی التعاطی معه برشادة؛ ومن ثمّ کلما کانت قدرات الفرد على ترجمة خبراته المباشرة – وتلک غیر المباشرة- محدودة کانت لدیه صُوَرًا غیر دقیقة ومشوهة عن الواقع وبعیدةّ عن الحقائق المرتبطة به. وفی ضوء مفهوم التراکمیّة فی بناء الصورة الذهنیّة لدى الفرد فإنها-أی الصورة الذهنیّة- تصبح العین التی یرى من خلالها ذهن الفرد الواقع المحیط ویُترجِم من خلالها رموزه، وأحداثه، ومعطیاته المختلفة(2).على سبیل المثال فعلى الرغم من أن مسلمی الروهینجا یتعرضون للقتل والتنکیل والتهجیر القسری من قِبل قوات الجیش فی میانمار، إلا أن الصورة الذهنیّة التراکمیّة لدى قطاعاتٍ عریضةٍ من الساسة وصُنَّاع القرارات فی الغرب هىّ أن الاقلیات المسلمة مصدر قلاقل فی الدول التی یقطنون بها؛ وإزاء هذه الصورة الذهنیّة السلبیة تأخر المجتمع الدولی فی شجب السلوک العنصری لجیش وحکومة میانمار إلى أواخر عام 2018م على الرغم من أن الأزمة قد بدأت منذ أکتوبر عام 2016م!!!.وینطبق النموذج ذاته على قضایا إسلامیة بالغة الأهمیة مثل تهوید القدس، وکشمیر، واضطهاد المسلمین الإیجور فی الصین، وانتهاک حقوق المسلمین المهاجرین وأولئک اللاجئین لدول أُوروبا والولایات المتحدة الأمریکیة.

جوانب القصور فی بحوث الإعلام والصورة الذهنیّة:

     قام الباحث بمراجعة الأدبیات العربیة الحدیثة فی مجال بحوث الإعلام المعنیّة بقیاس الصورة الذهنیّة وتوصل إلى وجود خلطًا بین کلٍ من مفهوم الصُوْرة الذهنیّة (Mental Image) ، والصُوْرة الإعلامیة(Media Image)؛ وقد نتج هذا الخلط عن عدة اعتباراتٍ منهجیّة أولها أن ثمة اعتقاداتٍ لدى الباحثین بأن الإعلام سواءً التقلیدی أم الجدید هو الرافد الأبرز لتشکیل الصور بأذهان الجماهیر، وثانیها هو أن الإعلام الغربی یعمل فی بیئةٍ دیمقراطیةٍ راسخة؛ ومن ثمّ فإنه یعکس إلى حدٍ کبیرٍ تصوُّرات الرأی العام الغربی عن الإسلام والمسلمین، أما الاعتبار الثالث فینطلق من منظورٍ فلسفی یستند إلى أن الإعلام قد أضحى الراوی فی العصر الحاضر، وأن الإعلام الغربی قد أضحى راویًا متحیزًا یعمد إلى نقل الصورة السلبیة عن الإسلام إلى الأجیال القادمة فی المجتمعات الغربیة؛ وبخاصةٍ الولایات المتحدة الأمریکیة ودول الاتحاد الأُوروبی.(3) وإزاء الطرح الحالی لم تهتم الأدبیات والبحوث العربیة بقیاس الصورة الذهنیّة الکائنة بالفعل لدى کلٍ من النُخب المتنفذّة، والرأی العام فی الدول الغربیة بما فیها الولایات المتحدة الأمریکیة.

     على الجانب الآخر؛ فقد دأبت البحوث الإعلامیة الغربیة على قیاس تصوُّرات الرأی العام الغربی بمعزلٍ عن الإعلام حیث أُجریت العدید من الاستطلاعات والمسوح العلمیة لقیاس الصور الذهنیّة الکائنة لدى الرأی العام الغربی عن الإسلام والمسلمین دون ربطها بالإعلام على اعتبار أن القائمین على تلک الدراسات یعتقدون أن الإعلام وإن کان یُمثِّل أحد روافد تشکیل الصُوَر الذهنیّة إلا أن ثمة روافدَ أخرى مهمة کالأحزاب السیاسیة، والمؤسسات التعلیمیة، والمؤسسات الدینیة، والمعایشة الیومیة للمسلمین، فضلًا عن متابعة الرأی العام الغربی للأحداث الإرهابیة التی تُنسب للمسلمین وتستهدف المقدرات المادیة والمعنویة للمجتمعات الغربیة(4). وإزاء الطرح الحالی غاب التراکم العلمی الرصین الذی یقیس الوزن النسبی لدور الإعلام فی بناء الصُوَر الذهنیّة لدى الرأی العام الغربی عن الإسلام والمسلمین والقضایا الإسلامیة المهمة.

     على الجانب الآخر، فقد أشارت نتائج بعض الدراسات الأجنبیة التی اهتمت بقیاس نغمة التغطیة الإخباریة بوسائل الإعلام الأجنبیة بشأن الإسلام وأُطر تقدیمها للمسلمین والعرب إلى أن تلک الوسائل قد عمدت إلى تصویر الإسلام والعرب والمسلمین بوصفهم- مجتمعین- رافدًا من روافد دعم الخلایا الإرهابیة ضد الغرب المسیحی، وأن الإسلام هو الخطر الأخضر الذی حل محل الخطر الأحمر الذی کان یُمثله الاتحاد السوفیتی (سابقًا)؛ وإزاء ذلک ینبغی على الدول الغربیة بما فیها الولایات المتحدة الأمریکیة اتخاذ التدابیر اللازمة لمنع موجات الإرهاب الدولی التی یساندها المسلمون والعرب فی ضوء تعالیم دینهم التی تحض على العنف والکراهیة!!(5)

     وعلى الرغم من قصور الدراسات الأجنبیة فی قیاس العلاقة بین الإعلام وتشکیل الصورة الذهنیّة عن الإسلام والمسلمین لدى الرأی العام الغربی إلا أن بعض الباحثین قد ارتادوا هذا المضمار وتوصلوا إلى وجود دور نسبی لوسائل الإعلام الغربیة فی تعضید الصورة الذهنیّة السلبیة الکائنة لدى الرأی العام الغربی عن المسلمین وفی تکریس المخاوف من الإسلام فیما یُعرف "بالإسلاموفوبیا".(6)

     من ناحیةٍ أخرى، فإن من أبرز جوانب القصور فی الدراسات التی ربطت بین الإعلام والصورة الذهنیّة هو التعامل مع الأخیرة بوصفها متغیرًا فردیًا لا ینطوی على أبعادٍ ومتغیراتٍ فرعیة مما جعل نتائج تلک الدراسات متضاربة.فوفقًا لهذا التوجه یعتقد الباحثون أن الصورة المشوهة یمکن التعبیر عنها من قِبل الأفراد بکلماتٍ سلبیة الدلالة تتسم بدورها بالمباشریة والوضوح (Short Cut Words) مثل: إرهابی، وتآمری، ودیکتاتوری، واستبدادی، وسُلطَّوی ، ورادیکالی إلى آخره.(7) بیدّ أن هذا النمط من القیاس یتسم بالقصور المنهجی وهو ما أشار إلیه "فشباین" فی نموذجه عن القیمة المتوقعة والذی أکد فیه أن تقییمات الأفراد للموضوع-الدین مثلًا-لا تتم من خلال بُعدٍ أو سمةٍ واحدة وإنما من خلال تقییمهم للعدید من الأبعاد والسمات المرتبطة بهذا الموضوع(8) ولعل ذلک ما یُفسر النتائج التی توصلت إلیها بعض الدراسات الأجنبیة والتی أشارت إلى أن الرأی العام الأمریکی کان یتعاطف مع المواطنین المسلمین الأمریکیین عقب أحداث الحادی عشر من سبتمبر 2001م، على حین کان یحمل الرأی العام ذاته اتجاهاتٍ مختلطةٍ نحو المسلمین، بینما کان یحمل صورًا سلبیة وعدائیة نحو الإسلام بوصفه دینًا یحض على العنف والکراهیة ورفض الآخر.کما تطرح نتائج تلک الدراسات إشکالیة المدى الزمنی للقیاس حیث شهدت قیاسات الصورة الذهنیّة فی أواخر نوفمبر عام 2002م تراجعًا فی التعاطف مع المسلمین الأمریکیین فی ضوء التأثر بالصورة السلبیة العامة لدى الرأی العام الأمریکی عن الإسلام والمسلمین.(9)وثمة مثالٌ آخر؛ ففی الاستطلاع الذی أجراه مرکز بیو الأمریکی للبحوث عام 2017م تم اختزال الصورة الذهنیّة عن منتسبی الأدیان فی بُعدها الوجدانی حیث طُلب من المبحوثین تحدید درجة دفء مشاعرهم نحو منتسبی تلک الأدیان المختلفة على أن تکون الدرجة العظمى من (100)؛ وفی هذا الصدد حصل الیهود على (67) درجة، والمسیحیون الکاثولیک على (66) درجة، والمسیحیون البروتستانت على (65)، بینما حصل المسلمون على (48) درجة فقط!!(10). وبقطع النظر عن القصور فی قیاس الصورة الذهنیّة إلا أن النتائج الحالیة تُفسِّر نجاح الیهود فی خدمة قضایاهم من خلال صُنّاع القرار والرأی العام الأمریکی، فی مقابل فشل المسلمین فی خدمة القضایا الإسلامیة العادلة وعلى رأسها تهوید القدس!!.

     ولم تخل بعض الدراسات الأجنبیة من الخلط بین کلٍ من الصورة الذهنیّة وتلک الإعلامیة وفی هذا الصدد أبرزَت بعض نتائج هذه الدراسات الجهود الذی یبذلها الشیعة لإقناع الدول الغربیة بأنهم المسلمون المعتدلون فی مقابل السنَّة بوصفهم المسلمین الذین یدعمون الإرهاب والعنف ویرفضون الآخر(11). وفی هذا الصدد تبدو خطورة البُعد المذهبی فی الدراسات الحدیثة فی مسار الإعلام والصورة الذهنیّة عن الإسلام والمسلمین.

     وفی سیاق جوانب القصور فی بحوث الإعلام والصورة الذهنیّة ذلک الاهتمام البالغ من قِبل بعض الباحثین بقیاس کم التغطیة الإخباریة فی وسائل الإعلام الغربیة بشأن الإسلام والمسلمین على حین أن الأصل فی تشکیل الصورة هو الکیف ونمط المعلومات التی یتم تقدیمها للجمهور، ومستویات التحیز والتشویه بها. وثمة برهانٌ على ذلک أبرزَته إحدى الدراسات الحدیثة التی أجراها معهد السیاسة الاجتماعیة والتنویر عام 2016م والتی أشارت نتائجها إلى أن الشبکات التلیفزیونیة القومیة فی الولایات المتحدة الأمریکیة قد بثَت قصصًا خبریة وتقاریر عن الإسلام خلال عام 2013م بوصفها الأقل مقارنةً بالأعوام السابقة-من 2007 إلى 2013م-؛ بیدّ أن التراجع فی حجم التغطیة قد اقترن بکیفٍ سلبی للغایة فی التقاریر الخبریة التی أُذیعت خلال هذا العام والتی تسئ للإسلام والمسلمین وتعمد إلى تکریس صورة ذهنیّة مشوهة عنهما لدى الرأی العام الأمریکی.(12)

الإشکالیات النظریة والمنهجیّة فی قیاس الصورة الذهنیّة: 

     تتعدد الإشکالیات النظریة والمنهجیّة المرتبطة بقیاس الصورة الذهنیّة فی بحوث الإعلام؛ بیدّ أنه یمکن إجمال تلک الإشکالیات فی المحاور الآتیة:

أولًأ: الإشکالیات المرتبطة بالتعریف الإجرائی للصورة الذهنیّة، وتلک المرتبطة بالإطار الزمنی لقیاسها، فضلًا عن طبیعة الجمهور المستهدف بعملیة القیاس.

ثانیًا: أنماط قیاس الصورة الذهنیّة.

ثالثًا: مستویات الضبط المنهجی فی أدوات القیاس.

رابعًا: الأُطر التفسیریة لقیاسات الصورة الذهنیّة.

     وتُمثِّل الإشکالیات النظریة والمنهجیّة السابقة معوِّقات تحول دون توافر سمات الدقة والموضوعیة والانتظام فی مُخرجات بحوث الإعلام المعنیّة بقیاسات الصورة الذهنیّة سواءً لدى الجمهور أم الرأی العام. ومن ثمّ فإن التغلب على تلک الإشکالیات إنما یُمثِّل بدوره سبیلًا راشدًا للإفادة من نتائج تلک البحوث فی عملیة تعدیل الصورة الذهنیّة النمطّیة عن الإسلام والمسلمین فی المجتمعات الغربیة.

أولًا: الإشکالیات المرتبطة بالتعریف الإجرائی للصورة الذهنیّة، وتلک المرتبطة بالإطار الزمنی لقیاسها، فضلًا عن طبیعة الجمهور المستهدف بعملیة القیاس:

(1) ثمة إشکالیتان نظریة ومنهجیّة فی بحوث الإعلام والصورة الذهنیّة تتمثلان بدورهما فی الخلط بین کلٍ من الصورة الإعلامیة والصورة الذهنیّة الکائنة لدى الفرد أو مجموع الأفراد حول الموضوع المعین. فالصورة الإعلامیة تتسم بالتغیر على حین تتسم الصورة الذهنیّة بالثبات النسبی، کما أن الادعاء بأن الرأی العام إنما یحمل فی ذهنه تصوُّرات وسائل الإعلام حول الموضوعات والقضایا المختلفة إنما ینطلق من فرضیة سلبیة الرأی العام وهو أمرٌ محل جدل علمی، کما أنه بات من الأُطروحات غیر المقبولة علمیًا فی ظل تنامی دور الإعلام الجدید وشبکات التواصل الاجتماعی. وفی ضوء الطرح الحالی لا یمکن الادعاء بأن الصورة السلبیة التی تحاول وسائل الإعلام الغربیة تکریسها عن الإسلام والمسلمین هىّ ذاتها الصورة الذهنیّة السائدة لدى الرأی العام الغربی!!.

(2) تتأثر عملیة قیاس الصورة الذهنیّة لدى الرأی العام بالإطار الزمنی لعملیة القیاس حیث تؤثر الأحداث الطارئة (On Set Events)؛ فی تعدیل الصورة الذهنیّة للرأی العام إما إیجابًا أو سلبًا. فعلى سبیل المثال: کان لأحداث الحادی عشر من سبتمبر عام 2001م تأثیراتها السلبیة على صورة الإسلام والمسلمین؛ وبینما تراجعت حدة تلک الصورة خلال عامی 2003م و2004م إلا أنها عادت إلى مستوى أعلى من السلبیة مع تفجیرات لندن فی السابع من شهر یولیو 2005م والتی اُتهم فیها شبابٌ یدینون بالإسلام(13). وفی السیاق ذاته، فقد تزایدت الاتجاهات السلبیة نحو المهاجرین المسلمین فی الدول الأُوروبیة خلال عام 2017م فی ضوء تصریحات الرئیس الأمریکی دونالد ترامب بأنهم إرهابیون ،وفی ضوء تأثر الرأی العام الغربی بأُطروحات أحزاب الیمین الشعبوی فی أُوروبا والتی تعتبر الإسلام تهدیدًا للهویة الثقافیة المسیحیة للغرب(14)؛ وإزاء ذلک ینبغی الحرص فی تفسیر نتائج قیاسات الصورة الذهنیّة والأخذ فی الاعتبار تأثیرات الإطار الزمنی فی عملیة القیاس.

(3) یُعد القصور فی سحب العینات الممثلة للرأی العام الغربی أحد أبرز إشکالیات قیاس الصورة الذهنیّة فی بحوث الإعلام؛ حیث دأب بعض الباحثین على تضمین العینات البحثیة لبحوثهم أفرادًا یحملون تحیزات أیدیولوجیة وتعصبًا دینیًا ضد الإسلام والمسلمین ثمّ یتم فی هذا الصدد الربط بین الإعلام والصورة الذهنیّة العدائیة ضد الإسلام والمسلمین لدى هؤلاء الأفراد!!!.

 

ثانیًا: أنماط قیاس الصورة الذهنیّة:

(1) دأب الباحثون الغربیون على قیاس الصورة الذهنیّة للرأی العام فی ضوء المستوى التجمیعی (Aggregate Level) وهو نمط القیاس السائد فی دراسات الإعلام والرأی العام إلا أن قیاس الصورة الذهنیّة تنطوی على خصوصیة الأفراد، وعلى خصائصهم الدیموجرافیة، وسماتهم الشخصیّة، ومستویات تحیزاتهم ضد الإسلام والمسلمین؛ وإزاء ذلک یبدو القیاس على المستوى الفردی (Individual Level) هو الأدق منهجیًا فی قیاسات الصورة الذهنیّة.

(2) تغفل دراسات الإعلام والصورة الذهنیّة التحلیل الکیفی للبیانات على حین أن استخلاص الصورة الذهنیّة الکائنة لدى الأفراد وسبر أغوار الدور الإعلامی فی تشکیلها إنما یتطلب بدوره تحلیلًا کیفیًا یأخذ فی الاعتبار المتغیرات الاجتماعیة، والسیاسیة، والدینیة، والثقافیة وتأثیراتها فی عملیة تشکیل الصورة الذهنیّة لدى الرأی العام الغربی عن الإسلام والمسلمین.

(3) تندرج معظم بحوث الإعلام والصورة الذهنیّة فی الدول الغربیة ضمن إطار البحوث القطاعیة (Sectoral Research) حیث یُجرى مسح الرأی العام لمرةٍ واحدةٍ، على حین أن الاستدلال العلمی الدقیق على دور الإعلام فی تشکیل الصُوَر الذهنیّة لدى الأفراد لا یتم إلا من خلال الدراسات المطّولة (Longitudinal Research) والتی یتم فیها مسح الرأی العام على مرحلتین أو أکثر وهو ما یغیب عن التطبیق العملی لقیاسات الصورة الذهنیّة عن الإسلام والمسلمین فی المجتمعات الغربیة!!!.

ثالثًا: مستویات الضبط المنهجی فی أدوات القیاس:

(1) تبدو إشکالیة تصمیم استمارة الاستقصاء الخاصة بقیاس الصورة الذهنیّة لدى الأفراد أحد أبرز الإشکالیات المنهجیّة فی بحوث الإعلام والصورة الذهنیّة حیث یتم تصمیم تلک الأداة لقیاس الصورة الذهنیّة عن الإسلام والمسلمین فی مجموعها دون تحدید الأبعاد الفرعیة لعملیة التقییم مثال ذلک: الجوانب الأخلاقیة، والقیم، وطبیعة المعاملات السائدة بین المسلمین والتی یُمثِّل الإسلام مرجعیتها الرئیسة. وفی هذا الصدد، یحتج الباحثون الغربیون بأن المواطنین فی الغرب لا یعرفون کثیرًا عن تلک الأبعاد؛ ومن ثمّ فإن القیاس یتم على المستوى الوجدانی(Affective Level) ؛ المتمثِّل فی قیاس اتجاهاتهم-أی أولئک المواطنین- نحو الإسلام والمسلمین فی ضوء ما یستمدونه من معارف- عن الإسلام والمسلمین- من خلال خبراتهم المباشرة، ومن خلال الإعلامین التقلیدی والجدید، فضلًا عن شبکات الاتصال الشخصی.

(2) لاحظ الباحث أن الاستطلاعات والمسوح التی تُجریها المراکز البحثیة الأمریکیة عن الإسلام والمسلمین إنما تمیل إلى استخدام أسئلةً مباشرة – وأحیانًا إیحائیة- لقیاس صورة الرأی العام الأمریکی عن الإسلام والمسلمین؛ ومن أمثلة تلک الأسئلة الإیحائیة التی یتم توجیهها للمبحوثین:"هل تعتقد أن الإسلام یُمثِّل تهدیدًا لقِیَمنا؟!"، "هل تعتقد أن الإسلام یدعم العنف؟!" ، "هل تعتقد أن المسلمین یؤمنون بالتعایش السلمی مع الآخرین؟!!!".

(3) تبدو أدوات جمع البیانات الکیفیة کمجموعات النقاش المرکزّة أکثر دقةً من الاستقصاءات فی بحوث الإعلام والصورة الذهنیّة على حین تغیب-إلى حدٍ ما- تلک الأدوات الکیفیة من بحوث الإعلام والصورة الذهنیّة لدى الرأی العام عن الإسلام والمسلمین فی البیئة البحثیة الغربیة.

رابعًا: الأُطر التفسیریة لقیاسات الصورة الذهنیّة.

(1) یبدو من الأهمیة بمکان تفسیر مُخرجات بحوث الإعلام والصورة الذهنیّة عن الإسلام والمسلمین والعرب فی ضوء النظریات العلمیة الرصینة ومن أبرزها نظریة "کبش الفداء" (Scapegoat Theory) ،والنظریات الخاصة بالسمات الشخصیة للأفراد والنُخب مثال ذلک، السمات التسلطّیة، والانغلاق الذهنی، والتحیزات الوجدانیة إلى آخره.(15)

(2) طرح بعض الباحثین الغربیین فی السنوات الأخیرة النظریات الخاصة بالتباینات الثقافیة(Cultural Differences) بوصفها أحد أبرز الأُطر التفسیریة للصورة السلبیّة للإسلام والمسلمین والعرب لدى الرأی العام الأمریکی حیث تُسیطر الموروثات الفکریة والثقافیة فی بناء تلک الصورة الذهنیّة النمطیّة والمشوهة والتی تنظر إلى الإسلام بوصفه البدیل للمسیحیة والخطر الأکبر علیها فی ضوء الانتشار الملحوظ للدیانة الإسلامیة عالمیًا.(16)

     وفی ضوء الطرح السابق لإشکالیات قیاس الصورة الذهنیّة فی بحوث الإعلام بالتطبیق على صورة الإسلام والمسلمین یقترح الباحث ما یلی:

- رصد نتائج الاستطلاعات والمسوح الغربیة حول الإعلام الغربی والصورة الذهنیّة عن الإسلام والمسلمین وتحلیل تلک النتائج للوقوف على سمات تلک الصورة؛ وتوظیفها فی عملیة التخطیط الإستراتیجی لتعدیل صورة الإسلام والمسلمین لدى کلٍ من النُخب والرأی العام فی المجتمعات الغربیة.

- حث الباحثین العرب والمسلمین على الإفادة من البیانات الثانویة التی تُوفِرها مراکز البحوث والمسوح الغربیة عن صورة الإسلام والمسلمین لدى الرأی العام الغربی وربطها بقیاسات الصورة الإعلامیة التی یضطلعون بقیاسها مباشرةً من خلال تحلیل محتوى وسائل الإعلام الغربیة البارزّة والمؤثرة فی الرأی العام الغربی.

- الاهتمام بالقیاس المباشر للصورة الذهنیّة عن الإسلام والمسلمین لدى الرأی العام الغربی من خلال توظیف المسوح الإلکترونیة (Web Survey) بوصفها تتسم بالسرعة، وانخفاض التکلفة.

- التواصل البحثی مع منظمات المجتمع المدنی المنوطة بحوار الأدیان والثقافات والتعایش السلمی- فی الدول الغربیة الرئیسة-؛ بما یُسهم فی سبر أغوار الصُوْرة الذهنیّة لدى الرأی العام الغربی بشأن الإسلام والمسلمین وتطورها عبر الزمن، فضلًا عن التعاون مع تلک المنظمات فی تعدیل الصُوَر النمطّیة عن الإسلام، والعمل الحثیث على إبراز سماحة الإسلام، وإبراز تعالیمه التی تُعضِّد قیم الخیر والنماء والتعایش السلمی، وقبول الآخر واحترام معتقداته، وخصوصیاته الثقافیة.

(1) Lippmann, W.(1922).Public Opinion. (Online), available at: http://www.
gutenberg.org /cache/epub/6456/pg6456-images.html, Date of Search:10/10/2018.
(2) خالد صلاح الدین حسن علی،دور الإعلام فی تعدیل الاتجاهات، وبناء الصوْر الذهنیّة الإیجابیة، ورقة بحثیة مقدمة لورشة العمل التحضیریة بعنوان:"تصحیح صورة الإسلام فی وسائل الإعلام العالمیة: رؤى إستراتیجیة وبرامج عملیة"،( المملکة العربیة السعودیة: جدة، رابطة العالم الإسلامی، الهیئة الإسلامیة العالمیة للإعلام، الخمیس 17 ربیع الأول 1428هـــ الموافق 5 إبریل 2007م).
(3) اُنظر فی هذا الصدد الدراسات العربیة التالیة:
- میرال مصطفى عبد الفتاح، صورة العرب کما تعکسها القنوات الفضائیة الإخباریة الأجنبیة وعلاقتها باتجاهات الجمهور الأجنبی نحوها، رسالة دکتوراه غیر منشورة،(جامعة القاهرة: کلیة الإعلام، قسم الإذاعة والتلیفزیون، 2011).
- أسامة عبد الحمید محمد، العلاقة بین الصور الإعلامیة المتبادلة والعلاقات الاجتماعیة بین العرب والأمریکیین، رسالة دکتوراه غیر منشورة،(جامعة القاهرة: کلیة الإعلام، قسم العلاقات العامة والإعلان،2014).
- إکرام محمود عبد الرازق، صورة الإسلام السیاسی فی مصر فی الصحافة الغربیة قبل ثورة 30 یونیو وبعدها،   رسالة دکتوراه غیر منشورة ،(جامعة القاهرة:کلیة الإعلام، قسم الصحافة،2018).
- محمد نبیل حماد، صورة العرب فی الأفلام السینمائیة الأمریکیة بعد أحداث سبتمبر 2001، رسالة ماجستیر غیر منشورة،(جامعة القاهرة: کلیة الإعلام، قسم الإذاعة والتلیفزیون،2014).
- می محمد جمال الدین،اتجاهات الخطاب الإعلامی للمواقع الإلکترونیة الأجنبیة على شبکة الإنترنت نحو الإسلام، رسالة ماجستیر غیر منشورة،(جامعة القاهرة: کلیة الإعلام، قسم الصحافة،2014).
- سلمى عادل الجزار، اتجاهات المواقع الإلکترونیة فی الدول الإسکندنافیة (السوید والنرویج والدانمارک) نحو المسلمین فی أُوروبا، رسالة ماجستیر غیر منشورة،(جامعة القاهرة: کلیة الإعلام، قسم الصحافة،2015).
- سمر خالد عبد المجید، صورة العالم العربی فی المواقع الإلکترونیة لصحف نیویورک تایمز،الجاردیان، وهاآرتز أثناء الثورات، رسالة ماجستیر غیر منشورة،(جامعة القاهرة: کلیة الإعلام، قسم الصحافة،2017).
(4) Pew Research Center.(2017).How The US General Public View Muslims and Islam. (Online), Available at: http://www.pewforum.org/2017/07/26/how-the-u-s-/general-public-views-muslims-and-islam, Date of Search:19/10/2018.                     See Also:
- Goodwin, M. P., Raines, T., and Cutts, D.(2017).What Do European Think About Muslim Immigration?.(Online), available at:https://www.chathamhouse.org/expert/ comment/what-do-europeans-think-about-muslim-immigration,#.Date of Search: 18/11/2018.
(5)Powell, A. K.(2011).Framing Islam: An Analysis of U.S. Media Coverage of Terrorism Since 9/11.Communication Studies,62(1),pp.90-112.
See Also:
- Ridouani, D.(2011).The Representation of Arab and Muslims in Western Media. (Online), available at: https://r.search.yahoo.com/_ylt=AwrEzew6._RbwCcAiQxXNyoA;_ylu=X3oDMTByNXM5bzY5BGNvbG8DYmYxBHBvcwMzBHZ0aWQDBHNlYwNzcg--/RV= 2/RE =1542810554/RO=10/RU=https%3a%2f%2fdialnet.unirioja.es%2fdescarga%2farticulo%2f3707826.pdf/RK=2/RS=enmN7HRilhSGiRJ9sO6amvAxI3Y,Date of Search:  
15/11/2018.
- Smith, C.(2013).Anti-Islamic Sentiment and Media Framing During The 9/11 Decade. Journal of Religion & Society,15(3),pp.1-15.
-Jacobsen, J. S., et al.,(2013).Analysis of Danish Media Setting and Framing of Muslims, Islam and Racism.(Online),available at: https://pure.sfi.dk/ws/files/224036/ WP_10_2013.pdf, Date of Search:15/11/2018.
- Jahedi, M., Abdullah, S. F., and Mukundan, J.(2014).Review of Studies on Media Portrayal of Islam , Muslims, and Iran. International Journal of Education and Research,2(12),pp.297-308.
- Benkhedda, Y.(2016).Islam and Muslims in U.S. Think Tank Electronic Media : Framing Narrative , and Ethics. Global Media Journal/Canadian Edition,9(2), pp.41-63.
- Ahmed, S., & Matthes, J.(2017).Media Representation of Muslims and Islam From 2000-2015:A Meta- Analysis. The International Communication Gazette,79(3), pp.219-244.
(6) Rane, H., & Abdalla, M.(2009).Mass Media Islam: The Impact of Media Imagery on Public Opinion. Australian Journalism Review, 30(1),pp.39-49.
See Also:
- Allen, F.(2014).Islamophobia in The UK: The Role of British Newspapers in Shaping Attitudes Toward Islam and Muslims.(Online),available at: https://repository.uwtsd. ac.uk/413/1/Fleur%20Allen%20new.pdf, Date of Search: 18/11/2018.
(7) خالد صلاح الدین حسن علی(2007)،دور الإعلام فی تعدیل الاتجاهات، وبناء الصوْر الذهنیّة الإیجابیة، مرجع سابق.
(8) خالد صلاح الدین حسن علی،الإقناع : المحددات الاتصالیة والرؤى النظریة والتطبیقیة، مذکرات علمیة غیر منشورة،(جامعة القاهرة: کلیة الإعلام، دبلوم الدراسات العلیا،2011)،ص33.
(9) Smith, C.(2013).Op.cit,pp.4-5.
(10) Pew Research Center.(2017).Op.cit.,
(11) Scharbrodt, O.(2011). Shaping The Public Image of Islam: The Shiis of Ireland As "Moderate" Muslims. Journal of Muslim Minority Affairs,31(4),pp.518-533.
(12) Institute of Social Policy and Understanding (ISPU).(2016). US TV Primetime News Prefer Stereotypes: Muslims Framed Mostly as Criminals.(Online), available at:
https://www.ispu.org/wp-content/uploads/2016/08/MediaTenorResearch.pdf, Date of Search:18/11/2018.
(13) Bullard, P.(2015).7/7  Anniversary : Islamophobia and The London Bombings, One Decade On. (Online), available at: https://www.rt.com/uk/271972-london-bombing-islamophobia-legacy/.Date of Search:15/11/2018.
(14) Goodwin, M. P., Raines, T., and Cutts, D.(2017).Op.cit.,
(15) Alibeli, A. M.,& Yaghi, A.(2012).Theories of Prejudice and Attitudes Toward Muslims in The United States. International Journal of Humanities and Social Science,2(1),pp.23.
(16) Ibid,pp.23-24. 
 
     تُعد الصورة الذهنیّة أحد أبرز المجالات البحثیة فی مجال بحوث الإعلام نظرًا للدور البارز الذی تضطلع به وسائل الإعلام فی بناء الصُوَر الذهنیّة لدى الجماهیر عن الواقع المحیط بهم إلى الحد الذی وصفه عالم السیاسة "والتر لیبمان" بأنه الدور الفرید للإعلام بوصفه الرافد الرئیس عن تشکیل الصُوَر بأذهاننا عن الشخصیات، والمؤسسات، والدول، والشعوب، والأدیان، والثقافات الأخرى(1).ویُشیر التعریف العلمی الرصین للصورة الذهنیّة بوصفها تلک التَّصوُّرات الکائنة فی ذهن الفرد بشأن الواقع المادی المحیط به ؛ وتستند تلک التَّصوُّرات بالضرورة إلى الخبرة المباشرة والاحتکاک الحیاتی الیومی مع الأشخاص، والمؤسسات، والقضایا والأحداث التی ینطوِّی علیها ذلک الواقع المادی المعیش.وتُعد الصورة الذهنیّة بمثابة مجموع التَّصوُّرات التی یُشکِّلها الفرد ذهنیًا بشأن موضوعٍ ما فی الواقع المعیش أی أن الصورة الذهنیّة تتسم بالتراکمیّة عبر مدى زمنی ممتد.وتُعد هذه الصورة التراکمیّة بمثابة المعیار الذی یستند إلیه الفرد فی تقییمه للموضوع کما یُحدد قراراته بشأن التعاطی معه إیجابًا أو سلبًا قبولًا أو رفضًا.
 
 
 
     وتختلف الصورة الذهنیّة عن "الاتجاه" فی ضوء کون الأخیر یُمثِّل میلًا نحو الموضوع إما بالسلب أو الإیجاب؛ ویعنی ذلک أن الصورة تسبق الاتجاه، کما أن الأخیر بوصفه بُعدًا وجدانیًا إنما یندرج ضمن طیات الصورة الذهنیّة بوصفه مُکوِّنا من مکوِّناتها التی تشتمل أیضًا على البُعدین المعرفی والسلوکی عن الواقع المعیش.
     ویتوقف بناء الصورة الذهنیّة على قدرات الفرد الذهنیّة فی فهم الواقع المادی المعیش وفی التعاطی معه برشادة؛ ومن ثمّ کلما کانت قدرات الفرد على ترجمة خبراته المباشرة – وتلک غیر المباشرة- محدودة کانت لدیه صُوَرًا غیر دقیقة ومشوهة عن الواقع وبعیدةّ عن الحقائق المرتبطة به. وفی ضوء مفهوم التراکمیّة فی بناء الصورة الذهنیّة لدى الفرد فإنها-أی الصورة الذهنیّة- تصبح العین التی یرى من خلالها ذهن الفرد الواقع المحیط ویُترجِم من خلالها رموزه، وأحداثه، ومعطیاته المختلفة(2).على سبیل المثال فعلى الرغم من أن مسلمی الروهینجا یتعرضون للقتل والتنکیل والتهجیر القسری من قِبل قوات الجیش فی میانمار، إلا أن الصورة الذهنیّة التراکمیّة لدى قطاعاتٍ عریضةٍ من الساسة وصُنَّاع القرارات فی الغرب هىّ أن الاقلیات المسلمة مصدر قلاقل فی الدول التی یقطنون بها؛ وإزاء هذه الصورة الذهنیّة السلبیة تأخر المجتمع الدولی فی شجب السلوک العنصری لجیش وحکومة میانمار إلى أواخر عام 2018م على الرغم من أن الأزمة قد بدأت منذ أکتوبر عام 2016م!!!.وینطبق النموذج ذاته على قضایا إسلامیة بالغة الأهمیة مثل تهوید القدس، وکشمیر، واضطهاد المسلمین الإیجور فی الصین، وانتهاک حقوق المسلمین المهاجرین وأولئک اللاجئین لدول أُوروبا والولایات المتحدة الأمریکیة.
جوانب القصور فی بحوث الإعلام والصورة الذهنیّة:
     قام الباحث بمراجعة الأدبیات العربیة الحدیثة فی مجال بحوث الإعلام المعنیّة بقیاس الصورة الذهنیّة وتوصل إلى وجود خلطًا بین کلٍ من مفهوم الصُوْرة الذهنیّة (Mental Image) ، والصُوْرة الإعلامیة(Media Image)؛ وقد نتج هذا الخلط عن عدة اعتباراتٍ منهجیّة أولها أن ثمة اعتقاداتٍ لدى الباحثین بأن الإعلام سواءً التقلیدی أم الجدید هو الرافد الأبرز لتشکیل الصور بأذهان الجماهیر، وثانیها هو أن الإعلام الغربی یعمل فی بیئةٍ دیمقراطیةٍ راسخة؛ ومن ثمّ فإنه یعکس إلى حدٍ کبیرٍ تصوُّرات الرأی العام الغربی عن الإسلام والمسلمین، أما الاعتبار الثالث فینطلق من منظورٍ فلسفی یستند إلى أن الإعلام قد أضحى الراوی فی العصر الحاضر، وأن الإعلام الغربی قد أضحى راویًا متحیزًا یعمد إلى نقل الصورة السلبیة عن الإسلام إلى الأجیال القادمة فی المجتمعات الغربیة؛ وبخاصةٍ الولایات المتحدة الأمریکیة ودول الاتحاد الأُوروبی.(3) وإزاء الطرح الحالی لم تهتم الأدبیات والبحوث العربیة بقیاس الصورة الذهنیّة الکائنة بالفعل لدى کلٍ من النُخب المتنفذّة، والرأی العام فی الدول الغربیة بما فیها الولایات المتحدة الأمریکیة.
     على الجانب الآخر؛ فقد دأبت البحوث الإعلامیة الغربیة على قیاس تصوُّرات الرأی العام الغربی بمعزلٍ عن الإعلام حیث أُجریت العدید من الاستطلاعات والمسوح العلمیة لقیاس الصور الذهنیّة الکائنة لدى الرأی العام الغربی عن الإسلام والمسلمین دون ربطها بالإعلام على اعتبار أن القائمین على تلک الدراسات یعتقدون أن الإعلام وإن کان یُمثِّل أحد روافد تشکیل الصُوَر الذهنیّة إلا أن ثمة روافدَ أخرى مهمة کالأحزاب السیاسیة، والمؤسسات التعلیمیة، والمؤسسات الدینیة، والمعایشة الیومیة للمسلمین، فضلًا عن متابعة الرأی العام الغربی للأحداث الإرهابیة التی تُنسب للمسلمین وتستهدف المقدرات المادیة والمعنویة للمجتمعات الغربیة(4). وإزاء الطرح الحالی غاب التراکم العلمی الرصین الذی یقیس الوزن النسبی لدور الإعلام فی بناء الصُوَر الذهنیّة لدى الرأی العام الغربی عن الإسلام والمسلمین والقضایا الإسلامیة المهمة.
     على الجانب الآخر، فقد أشارت نتائج بعض الدراسات الأجنبیة التی اهتمت بقیاس نغمة التغطیة الإخباریة بوسائل الإعلام الأجنبیة بشأن الإسلام وأُطر تقدیمها للمسلمین والعرب إلى أن تلک الوسائل قد عمدت إلى تصویر الإسلام والعرب والمسلمین بوصفهم- مجتمعین- رافدًا من روافد دعم الخلایا الإرهابیة ضد الغرب المسیحی، وأن الإسلام هو الخطر الأخضر الذی حل محل الخطر الأحمر الذی کان یُمثله الاتحاد السوفیتی (سابقًا)؛ وإزاء ذلک ینبغی على الدول الغربیة بما فیها الولایات المتحدة الأمریکیة اتخاذ التدابیر اللازمة لمنع موجات الإرهاب الدولی التی یساندها المسلمون والعرب فی ضوء تعالیم دینهم التی تحض على العنف والکراهیة!!(5)
     وعلى الرغم من قصور الدراسات الأجنبیة فی قیاس العلاقة بین الإعلام وتشکیل الصورة الذهنیّة عن الإسلام والمسلمین لدى الرأی العام الغربی إلا أن بعض الباحثین قد ارتادوا هذا المضمار وتوصلوا إلى وجود دور نسبی لوسائل الإعلام الغربیة فی تعضید الصورة الذهنیّة السلبیة الکائنة لدى الرأی العام الغربی عن المسلمین وفی تکریس المخاوف من الإسلام فیما یُعرف "بالإسلاموفوبیا".(6)
     من ناحیةٍ أخرى، فإن من أبرز جوانب القصور فی الدراسات التی ربطت بین الإعلام والصورة الذهنیّة هو التعامل مع الأخیرة بوصفها متغیرًا فردیًا لا ینطوی على أبعادٍ ومتغیراتٍ فرعیة مما جعل نتائج تلک الدراسات متضاربة.فوفقًا لهذا التوجه یعتقد الباحثون أن الصورة المشوهة یمکن التعبیر عنها من قِبل الأفراد بکلماتٍ سلبیة الدلالة تتسم بدورها بالمباشریة والوضوح (Short Cut Words) مثل: إرهابی، وتآمری، ودیکتاتوری، واستبدادی، وسُلطَّوی ، ورادیکالی إلى آخره.(7) بیدّ أن هذا النمط من القیاس یتسم بالقصور المنهجی وهو ما أشار إلیه "فشباین" فی نموذجه عن القیمة المتوقعة والذی أکد فیه أن تقییمات الأفراد للموضوع-الدین مثلًا-لا تتم من خلال بُعدٍ أو سمةٍ واحدة وإنما من خلال تقییمهم للعدید من الأبعاد والسمات المرتبطة بهذا الموضوع(8) ولعل ذلک ما یُفسر النتائج التی توصلت إلیها بعض الدراسات الأجنبیة والتی أشارت إلى أن الرأی العام الأمریکی کان یتعاطف مع المواطنین المسلمین الأمریکیین عقب أحداث الحادی عشر من سبتمبر 2001م، على حین کان یحمل الرأی العام ذاته اتجاهاتٍ مختلطةٍ نحو المسلمین، بینما کان یحمل صورًا سلبیة وعدائیة نحو الإسلام بوصفه دینًا یحض على العنف والکراهیة ورفض الآخر.کما تطرح نتائج تلک الدراسات إشکالیة المدى الزمنی للقیاس حیث شهدت قیاسات الصورة الذهنیّة فی أواخر نوفمبر عام 2002م تراجعًا فی التعاطف مع المسلمین الأمریکیین فی ضوء التأثر بالصورة السلبیة العامة لدى الرأی العام الأمریکی عن الإسلام والمسلمین.(9)وثمة مثالٌ آخر؛ ففی الاستطلاع الذی أجراه مرکز بیو الأمریکی للبحوث عام 2017م تم اختزال الصورة الذهنیّة عن منتسبی الأدیان فی بُعدها الوجدانی حیث طُلب من المبحوثین تحدید درجة دفء مشاعرهم نحو منتسبی تلک الأدیان المختلفة على أن تکون الدرجة العظمى من (100)؛ وفی هذا الصدد حصل الیهود على (67) درجة، والمسیحیون الکاثولیک على (66) درجة، والمسیحیون البروتستانت على (65)، بینما حصل المسلمون على (48) درجة فقط!!(10). وبقطع النظر عن القصور فی قیاس الصورة الذهنیّة إلا أن النتائج الحالیة تُفسِّر نجاح الیهود فی خدمة قضایاهم من خلال صُنّاع القرار والرأی العام الأمریکی، فی مقابل فشل المسلمین فی خدمة القضایا الإسلامیة العادلة وعلى رأسها تهوید القدس!!.
     ولم تخل بعض الدراسات الأجنبیة من الخلط بین کلٍ من الصورة الذهنیّة وتلک الإعلامیة وفی هذا الصدد أبرزَت بعض نتائج هذه الدراسات الجهود الذی یبذلها الشیعة لإقناع الدول الغربیة بأنهم المسلمون المعتدلون فی مقابل السنَّة بوصفهم المسلمین الذین یدعمون الإرهاب والعنف ویرفضون الآخر(11). وفی هذا الصدد تبدو خطورة البُعد المذهبی فی الدراسات الحدیثة فی مسار الإعلام والصورة الذهنیّة عن الإسلام والمسلمین.
     وفی سیاق جوانب القصور فی بحوث الإعلام والصورة الذهنیّة ذلک الاهتمام البالغ من قِبل بعض الباحثین بقیاس کم التغطیة الإخباریة فی وسائل الإعلام الغربیة بشأن الإسلام والمسلمین على حین أن الأصل فی تشکیل الصورة هو الکیف ونمط المعلومات التی یتم تقدیمها للجمهور، ومستویات التحیز والتشویه بها. وثمة برهانٌ على ذلک أبرزَته إحدى الدراسات الحدیثة التی أجراها معهد السیاسة الاجتماعیة والتنویر عام 2016م والتی أشارت نتائجها إلى أن الشبکات التلیفزیونیة القومیة فی الولایات المتحدة الأمریکیة قد بثَت قصصًا خبریة وتقاریر عن الإسلام خلال عام 2013م بوصفها الأقل مقارنةً بالأعوام السابقة-من 2007 إلى 2013م-؛ بیدّ أن التراجع فی حجم التغطیة قد اقترن بکیفٍ سلبی للغایة فی التقاریر الخبریة التی أُذیعت خلال هذا العام والتی تسئ للإسلام والمسلمین وتعمد إلى تکریس صورة ذهنیّة مشوهة عنهما لدى الرأی العام الأمریکی.(12)
الإشکالیات النظریة والمنهجیّة فی قیاس الصورة الذهنیّة: 
     تتعدد الإشکالیات النظریة والمنهجیّة المرتبطة بقیاس الصورة الذهنیّة فی بحوث الإعلام؛ بیدّ أنه یمکن إجمال تلک الإشکالیات فی المحاور الآتیة:
أولًأ: الإشکالیات المرتبطة بالتعریف الإجرائی للصورة الذهنیّة، وتلک المرتبطة بالإطار الزمنی لقیاسها، فضلًا عن طبیعة الجمهور المستهدف بعملیة القیاس.
ثانیًا: أنماط قیاس الصورة الذهنیّة.
ثالثًا: مستویات الضبط المنهجی فی أدوات القیاس.
رابعًا: الأُطر التفسیریة لقیاسات الصورة الذهنیّة.
     وتُمثِّل الإشکالیات النظریة والمنهجیّة السابقة معوِّقات تحول دون توافر سمات الدقة والموضوعیة والانتظام فی مُخرجات بحوث الإعلام المعنیّة بقیاسات الصورة الذهنیّة سواءً لدى الجمهور أم الرأی العام. ومن ثمّ فإن التغلب على تلک الإشکالیات إنما یُمثِّل بدوره سبیلًا راشدًا للإفادة من نتائج تلک البحوث فی عملیة تعدیل الصورة الذهنیّة النمطّیة عن الإسلام والمسلمین فی المجتمعات الغربیة.
أولًا: الإشکالیات المرتبطة بالتعریف الإجرائی للصورة الذهنیّة، وتلک المرتبطة بالإطار الزمنی لقیاسها، فضلًا عن طبیعة الجمهور المستهدف بعملیة القیاس:
(1) ثمة إشکالیتان نظریة ومنهجیّة فی بحوث الإعلام والصورة الذهنیّة تتمثلان بدورهما فی الخلط بین کلٍ من الصورة الإعلامیة والصورة الذهنیّة الکائنة لدى الفرد أو مجموع الأفراد حول الموضوع المعین. فالصورة الإعلامیة تتسم بالتغیر على حین تتسم الصورة الذهنیّة بالثبات النسبی، کما أن الادعاء بأن الرأی العام إنما یحمل فی ذهنه تصوُّرات وسائل الإعلام حول الموضوعات والقضایا المختلفة إنما ینطلق من فرضیة سلبیة الرأی العام وهو أمرٌ محل جدل علمی، کما أنه بات من الأُطروحات غیر المقبولة علمیًا فی ظل تنامی دور الإعلام الجدید وشبکات التواصل الاجتماعی. وفی ضوء الطرح الحالی لا یمکن الادعاء بأن الصورة السلبیة التی تحاول وسائل الإعلام الغربیة تکریسها عن الإسلام والمسلمین هىّ ذاتها الصورة الذهنیّة السائدة لدى الرأی العام الغربی!!.
(2) تتأثر عملیة قیاس الصورة الذهنیّة لدى الرأی العام بالإطار الزمنی لعملیة القیاس حیث تؤثر الأحداث الطارئة (On Set Events)؛ فی تعدیل الصورة الذهنیّة للرأی العام إما إیجابًا أو سلبًا. فعلى سبیل المثال: کان لأحداث الحادی عشر من سبتمبر عام 2001م تأثیراتها السلبیة على صورة الإسلام والمسلمین؛ وبینما تراجعت حدة تلک الصورة خلال عامی 2003م و2004م إلا أنها عادت إلى مستوى أعلى من السلبیة مع تفجیرات لندن فی السابع من شهر یولیو 2005م والتی اُتهم فیها شبابٌ یدینون بالإسلام(13). وفی السیاق ذاته، فقد تزایدت الاتجاهات السلبیة نحو المهاجرین المسلمین فی الدول الأُوروبیة خلال عام 2017م فی ضوء تصریحات الرئیس الأمریکی دونالد ترامب بأنهم إرهابیون ،وفی ضوء تأثر الرأی العام الغربی بأُطروحات أحزاب الیمین الشعبوی فی أُوروبا والتی تعتبر الإسلام تهدیدًا للهویة الثقافیة المسیحیة للغرب(14)؛ وإزاء ذلک ینبغی الحرص فی تفسیر نتائج قیاسات الصورة الذهنیّة والأخذ فی الاعتبار تأثیرات الإطار الزمنی فی عملیة القیاس.
(3) یُعد القصور فی سحب العینات الممثلة للرأی العام الغربی أحد أبرز إشکالیات قیاس الصورة الذهنیّة فی بحوث الإعلام؛ حیث دأب بعض الباحثین على تضمین العینات البحثیة لبحوثهم أفرادًا یحملون تحیزات أیدیولوجیة وتعصبًا دینیًا ضد الإسلام والمسلمین ثمّ یتم فی هذا الصدد الربط بین الإعلام والصورة الذهنیّة العدائیة ضد الإسلام والمسلمین لدى هؤلاء الأفراد!!!.
 
ثانیًا: أنماط قیاس الصورة الذهنیّة:
(1) دأب الباحثون الغربیون على قیاس الصورة الذهنیّة للرأی العام فی ضوء المستوى التجمیعی (Aggregate Level) وهو نمط القیاس السائد فی دراسات الإعلام والرأی العام إلا أن قیاس الصورة الذهنیّة تنطوی على خصوصیة الأفراد، وعلى خصائصهم الدیموجرافیة، وسماتهم الشخصیّة، ومستویات تحیزاتهم ضد الإسلام والمسلمین؛ وإزاء ذلک یبدو القیاس على المستوى الفردی (Individual Level) هو الأدق منهجیًا فی قیاسات الصورة الذهنیّة.
(2) تغفل دراسات الإعلام والصورة الذهنیّة التحلیل الکیفی للبیانات على حین أن استخلاص الصورة الذهنیّة الکائنة لدى الأفراد وسبر أغوار الدور الإعلامی فی تشکیلها إنما یتطلب بدوره تحلیلًا کیفیًا یأخذ فی الاعتبار المتغیرات الاجتماعیة، والسیاسیة، والدینیة، والثقافیة وتأثیراتها فی عملیة تشکیل الصورة الذهنیّة لدى الرأی العام الغربی عن الإسلام والمسلمین.
(3) تندرج معظم بحوث الإعلام والصورة الذهنیّة فی الدول الغربیة ضمن إطار البحوث القطاعیة (Sectoral Research) حیث یُجرى مسح الرأی العام لمرةٍ واحدةٍ، على حین أن الاستدلال العلمی الدقیق على دور الإعلام فی تشکیل الصُوَر الذهنیّة لدى الأفراد لا یتم إلا من خلال الدراسات المطّولة (Longitudinal Research) والتی یتم فیها مسح الرأی العام على مرحلتین أو أکثر وهو ما یغیب عن التطبیق العملی لقیاسات الصورة الذهنیّة عن الإسلام والمسلمین فی المجتمعات الغربیة!!!.
ثالثًا: مستویات الضبط المنهجی فی أدوات القیاس:
(1) تبدو إشکالیة تصمیم استمارة الاستقصاء الخاصة بقیاس الصورة الذهنیّة لدى الأفراد أحد أبرز الإشکالیات المنهجیّة فی بحوث الإعلام والصورة الذهنیّة حیث یتم تصمیم تلک الأداة لقیاس الصورة الذهنیّة عن الإسلام والمسلمین فی مجموعها دون تحدید الأبعاد الفرعیة لعملیة التقییم مثال ذلک: الجوانب الأخلاقیة، والقیم، وطبیعة المعاملات السائدة بین المسلمین والتی یُمثِّل الإسلام مرجعیتها الرئیسة. وفی هذا الصدد، یحتج الباحثون الغربیون بأن المواطنین فی الغرب لا یعرفون کثیرًا عن تلک الأبعاد؛ ومن ثمّ فإن القیاس یتم على المستوى الوجدانی(AffectiveLevel) ؛ المتمثِّل فی قیاس اتجاهاتهم-أی أولئک المواطنین- نحو الإسلام والمسلمین فی ضوء ما یستمدونه من معارف- عن الإسلام والمسلمین- من خلال خبراتهم المباشرة، ومن خلال الإعلامین التقلیدی والجدید، فضلًا عن شبکات الاتصال الشخصی.
(2) لاحظ الباحث أن الاستطلاعات والمسوح التی تُجریها المراکز البحثیة الأمریکیة عن الإسلام والمسلمین إنما تمیل إلى استخدام أسئلةً مباشرة – وأحیانًا إیحائیة- لقیاس صورة الرأی العام الأمریکی عن الإسلام والمسلمین؛ ومن أمثلة تلک الأسئلة الإیحائیة التی یتم توجیهها للمبحوثین:"هل تعتقد أن الإسلام یُمثِّل تهدیدًا لقِیَمنا؟!"، "هل تعتقد أن الإسلام یدعم العنف؟!" ، "هل تعتقد أن المسلمین یؤمنون بالتعایش السلمی مع الآخرین؟!!!".
(3) تبدو أدوات جمع البیانات الکیفیة کمجموعات النقاش المرکزّة أکثر دقةً من الاستقصاءات فی بحوث الإعلام والصورة الذهنیّة على حین تغیب-إلى حدٍ ما- تلک الأدوات الکیفیة من بحوث الإعلام والصورة الذهنیّة لدى الرأی العام عن الإسلام والمسلمین فی البیئة البحثیة الغربیة.
رابعًا: الأُطر التفسیریة لقیاسات الصورة الذهنیّة.
(1) یبدو من الأهمیة بمکان تفسیر مُخرجات بحوث الإعلام والصورة الذهنیّة عن الإسلام والمسلمین والعرب فی ضوء النظریات العلمیة الرصینة ومن أبرزها نظریة "کبش الفداء" (Scapegoat Theory) ،والنظریات الخاصة بالسمات الشخصیة للأفراد والنُخب مثال ذلک، السمات التسلطّیة، والانغلاق الذهنی، والتحیزات الوجدانیة إلى آخره.(15)
(2) طرح بعض الباحثین الغربیین فی السنوات الأخیرة النظریات الخاصة بالتباینات الثقافیة(Cultural Differences) بوصفها أحد أبرز الأُطر التفسیریة للصورة السلبیّة للإسلام والمسلمین والعرب لدى الرأی العام الأمریکی حیث تُسیطر الموروثات الفکریة والثقافیة فی بناء تلک الصورة الذهنیّة النمطیّة والمشوهة والتی تنظر إلى الإسلام بوصفه البدیل للمسیحیة والخطر الأکبر علیها فی ضوء الانتشار الملحوظ للدیانة الإسلامیة عالمیًا.(16)
     وفی ضوء الطرح السابق لإشکالیات قیاس الصورة الذهنیّة فی بحوث الإعلام بالتطبیق على صورة الإسلام والمسلمین یقترح الباحث ما یلی:
- رصد نتائج الاستطلاعات والمسوح الغربیة حول الإعلام الغربی والصورة الذهنیّة عن الإسلام والمسلمین وتحلیل تلک النتائج للوقوف على سمات تلک الصورة؛ وتوظیفها فی عملیة التخطیط الإستراتیجی لتعدیل صورة الإسلام والمسلمین لدى کلٍ من النُخب والرأی العام فی المجتمعات الغربیة.
- حث الباحثین العرب والمسلمین على الإفادة من البیانات الثانویة التی تُوفِرها مراکز البحوث والمسوح الغربیة عن صورة الإسلام والمسلمین لدى الرأی العام الغربی وربطها بقیاسات الصورة الإعلامیة التی یضطلعون بقیاسها مباشرةً من خلال تحلیل محتوى وسائل الإعلام الغربیة البارزّة والمؤثرة فی الرأی العام الغربی.
- الاهتمام بالقیاس المباشر للصورة الذهنیّة عن الإسلام والمسلمین لدى الرأی العام الغربی من خلال توظیف المسوح الإلکترونیة (Web Survey) بوصفها تتسم بالسرعة، وانخفاض التکلفة.
- التواصل البحثی مع منظمات المجتمع المدنی المنوطة بحوار الأدیان والثقافات والتعایش السلمی- فی الدول الغربیة الرئیسة-؛ بما یُسهم فی سبر أغوار الصُوْرة الذهنیّة لدى الرأی العام الغربی بشأن الإسلام والمسلمین وتطورها عبر الزمن، فضلًا عن التعاون مع تلک المنظمات فی تعدیل الصُوَر النمطّیة عن الإسلام، والعمل الحثیث على إبراز سماحة الإسلام، وإبراز تعالیمه التی تُعضِّد قیم الخیر والنماء والتعایش السلمی، وقبول الآخر واحترام معتقداته، وخصوصیاته الثقافیة.