هدفت هذه الدراسةُ إلى رصدِ أثر "التحول الرقمي" على قواعد الإدارة والتمويل الحاكمة لـ"صناعة الصحافة"، حيث تسببتْ "البيئة الرقمية الجديدة" التي يعيشها العالمُ منذ إطلاق مبادرة التحوّل الرقميّ في المنتدى الاقتصاديّ العالميّ 2015، في عدم قدرة "نماذج الأعمال التقليدية" على مواكبة ما يشهده العالم من تطور، وفرض الواقع الرقميّ نماذج أعمال حديثة، وأحدث تغييراتٍ جذريةً في العديد من المفاهيم والمنتجات.
     لم تكن صناعةُ الصحافة بعيدةً عن هذا الواقع الرقميّ الذي فرض تحدياتٍ جديدةً على قواعد إدارة وتمويل الصحف، وألقى بآثاره الواضحة على مصادر تمويل العمل الصحفيّ الرئيسة، والتي تتمثل في: التوزيع والإعلانات، وقد تزايد الاهتمامُ به في "صناعة الصحافة" خاصة بعد جائحة "كورونا" التي فرضت على العالم الإسراعَ به في العديد من القطاعات والأنشطة الاقتصاديّة، ومن بينها قطاعُ الصحافة والإعلام.
    استخدمت الدراسةُ منهج "المسح" Survey في الحصول على المعلومات بإجراء المقابلات المتعمقة مع النخبة الأكاديمية وخبراء التحول الرقمي، وتم تحديد 8 محاور في المقابلات مع المبحوثين لرصد تصورها للتحوّل الرقميّ، ومتطلباته في العمل الصحفيّ، ومدى اهتمام الصحف به، وتحديات التطبيق، وما يتيحه من آفاقٍ جديدة للصحف، وقدرة الصحف على الإفادة من الذكاء الاصطناعيّ، ومدى إمكانية تطبيق نظام الاشتراكات الرقميّة ومعوّقات ذلك، ومستقبل المؤسسات الصحفيّة والصحف.
وخلُصت الدراسةُ إلى مجموعةٍ من النتائج، أهمها: أن الصحف المصريّة نجحت في تطبيق آليات التحول الرقمي، حيث يرى 64% ممن جرت معهم المقابلات أن الصحف تسير في الطريق الصحيح بشكلٍ يتَّسق مع التحوّلات العالمية. كما تتبنَّى النخبةُ الأكاديمية والخبراءُ رؤيةً تتسم بالتفاؤل بشكلٍ عام حول مدى قدرة الصحف المصريّة على الإفادة من تقنيات الذكاء الاصطناعيّ، حيث يرى 60% أن الصحف تستخدمه بالفعل، وأعرب 28% أن الصحف يمكن أن تحقق الإفادة الكاملة منه بشروطٍ عديدة، من بينها توفير البنية التحتية وتدريب القيادات، وهو ما يعني أن إجمالي من يرون استخدام الذكاء الاصطناعي (سواء بشكلٍ كاملٍ أو جزئيٍّ) يصل إلى 88%.
    وكشفت النتائجُ أن عدم استعداد العنصر البشري يأتي في مقدِّمة معوقات تطبيق التحول الرقمي بوزنٍ نسبي مرجح 68%، يليه عدم توافر الإمكانيات المادية 48%، ثم عدم اهتمام الإدارة 32%، وجاء عدم توافر البنية التحتية التكنولوجية في المركز الرابع بوزنٍ نسبي 24%.
     وحول نظام التمويل المقترح في المستقبل ترى مجموعةُ الأكاديميين والخبراء إمكانية تطبيق نظام الاشتراكات الرقميّة أو حائط الدفع Pay Wall بنسبة 56% شريطة جودة المحتوى الصحفي الذي يمكن أن يُقنع القارئ والمُعلن على حدٍّ سواء بجدوى الدفع مقابل المطالعة، وأن تُقدم الصحافةُ خدمةً حقيقية تدفع القارئ لمتابعتها بمقابل مادي. وفي المقابل رأت نسبة 28% عدم إمكانية التطبيق؛ حيث إن نجاح هذا النظام يستلزم محتوى صحفيًّا متميزًا لا يجده القارئ في الصحف حاليًا، إضافة إلى صعف مستوى الدخول، وضعف البنية التكنولوجية، وعدم الإقبال على القراءة والثقافة بشكلٍ كافٍ. بينما رأت نسبة 16% أن الأمر يستلزم دراساتٍ تفصيليةً؛ حيث إن التطبيق يتطلب دراسةً تشمل العادات الاستهلاكية، والوضع الاقتصادي، والمنافسة مع المحتوى المجاني، وانخفاض الوعي الرقمي.
    وخلُصت الدراسةُ إلى أن مجموعة النخبة الأكاديمية والخبراء يتبنَّون رؤيةً إيجابيةً لمستقبل المؤسسات الصحفية، حيث ينظر 76% منهم لمستقبل الصحف والمؤسسات نظرة تفاؤلية مشروطة بقدرة الصحف على تبنِّي سياسات التحول الرقمي وتطوير المحتوى؛ باعتباره السبيلَ الوحيد لاستمرار دورها في المستقبل، بينما يعتقد 24% منهم أن المؤسسات الصحفيّة لن تتمكن من الاستمرار مع اختفاء الصحف الورقيّة، والعجز عن الإفادة من التقنيات الحديثة، واعتماد الصحف على نماذج الأعمال القديمة.